إن الحمد لله: نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، من يطع الله ورسوله فقد اهتدى ورشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وضل ضلالاً بعيداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا وشفيعنا وحبيب قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه.
{يا أيها الذين ءامنُوا اتقوا الله حق تُقاتهِ، ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون}، (آل عمران؛ 3:102).
{يا أيُهَا النَاسُ اتقُوا ربكم الذى خلقكم من نفسٍ واحدةٍ، وخلق منها زوجَهَا، وبث مِنهُمَا رجالاً كثيرًا وِنسَاءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا}، (النساء؛ 4:1) .
{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله، وقولوا قولاً سديدًا * يُصلح لكم أعَمَاَلَكُم، ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم، ومن يُطِعِ الله وَرسُولَهُ فقد فَاز فوزًا عظيمًا}، (الأحزاب؛ 33:70).
إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هو الأسوة الحسنة، نعم الأسوة، ونعم القدوة. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فهذه رسالة مختصرة عن أصل الإسلام، وحقيقة التوحيد، وأدلته من القرآن الكريم، ومما ثبت في السنة النبوية الشريفة، سميناها: «كتاب التوحيد: أصل الإسلام، وحقيقة التوحيد».
وكان الدافع إلي كتابتها أمور منها:
أولاً: مشكلة قديمة حول تعريف «العبادة» وعلاقتها بمفهوم «الإله»، ترتب عليها الحكم، بغير وجه حق، على الكثير من أهل القبلة بالشرك، ومفارقة الإسلام، والخروج من الملة. وهو أمر كبير خطير، من الأصول والمهمات، التي تحتاج إلى البرهان القاطع، والحجة اليقينية البالغة، ولا يجوز أن يكون من الاجتهاديات أو الخلافيات!
ثانياً: اضطراب، وعدم انضباط القسمة التقليدية للتوحيد إلى: «توحيد الربوبية»، و«توحيد الألوهية»، و«توحيد الأسماء والصفات». هذا الإضطراب له علاقة جوهرية بالمشكلة السابقة، فضلاً عن أنه تقسيم ضعيف، غير مقنع، ولا منتج، لأنه:
(أ) تقسيم غير منضبط لتداخل الأقسام،
(ب) وغير جامع لخروج أركان مهمة للتوحيد منها، كتوحيد «الحاكمية»، وتوحيد «الحب والموالاة»، ولا يمكن إدخالها إلا بتكلف، وبطريقة مصطنعة.
(ج) وغير مانع لدخول ما ليس من أصول التوحيد فيها، كأكثر مباحث «الصفات»، التي هي فرع لتوحيد الطاعة والاتباع، وليست أصلاً، ولا هي قسم مستقل من أقسام التوحيد، مهما شغب وبالغ أهل التفاهة والسطحية والغلو، من «جهلة الحنابلة»، المنتسبين، زوراً وبهتاناً، إلى «السلفية».
(د) عرفي اصطلاحي مجرد، وليس بـ «شرعي»، لعدم استقرائه لما جاءت به نصوص الكتاب والسنة من معاني ألفاظ «الإله»، «العبادة»، «الرب»، ... وغيرها!
(هـ) وغير مطابق لواقع الشرك، والعبادة، عند البشرية عامة، وعند العرب خاصة عند نزول القرآن. فهو بني على قسمة متخيلة قاصرة، لا على استقراء لواقع معقد من المعتقدات المتداخلة، التي تحتاج إلى سبر وتقسيم، بعد استقراء واسع، مع أن الكتاب العزيز قد أشار إليها، وناقش أكثرها، وكذلك السنة المطهرة!
ثالثاً: إشكالات عدة ظهرت في هذا الزمان، بعد زوال آخر دولة خلافة، يمكن أن تسمَّى إسلامية، ولو على وجه التساهل والتنزُّل، وتحول الدنيا كلها إلى دار كفر، حول حقيقة التوحيد، وأقسامه، وشموله لقضايا «الحاكمية»، و«الموالاة والمعاداة». هذه الإشكالات ترتبت على نقاط الضعف والقصور في القسمة التقليدية المذكورة أعلاه، وساهم فقهاء السلاطين، ورثة الأحبار والكهان، من قتلة الأنبياء، قاتلهم الله، في تضخيم الإشكالية، وتضليل العامة، بل وحتى الخاصة، خدمة لأسيادهم من أئمة الكفر والجور، الذين بدلوا الشرائع، وتولوا أعداء الله، وعادوا أولياء الله، وذلك لقاء ثمن بخس، دراهم معدودة، ودنيا فانية زائلة، فخانوا الأمانة، ونقضوا الميثاق: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوم وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون}، (آل عمران؛ 3:187).
وآل سعود الذين هم في مقدمة مبدلي الشرائع، ومتولي الكفار، بل قد بزوا جميع إخوانهم من الحكام، الطواغيت الظلمة المتسلطين على رقاب المسلمين، في تمكين قوى الكفر من احتلال جزيرة العرب، قاعدة الإسلام، وحصار العراق المسلم، وإبادة أهله وإذلالهم، لهم الباع الطولى، والسابقة العظمى، مع أذنابهم من «المشايخ»، في هذا التضليل الكبير، والبهتان العظيم!
ونظام حكم آل سعود هؤلاء نظام شرك وكفر، بل هو مع ذلك، وفوق ذلك، نظام «شيطاني» منتن، نظام عصابة «مافيا» إجرامية قذرة، لم تكتف بنهب أموال المسلمين، و«الغلول» من بين المال العام على نحو لم يعرف له التاريخ مثيلاً، بل زادت جشعاً وسعاراً بتعاطى تجارة المخدرات والخمور والدعارة المنظمة، وتهريب السلاح، و«غسيل» الأموال.
لذلك فهم، أي آل سعود، حفاظاً على السلطة، وتضليلاً للجماهير، يتمسحون بـ«توحيد» مزوَّر، مشوه، مبتور، «ميِّت»، لا وجود له في واقع الحياة، يدور حول «الموتى»، والقباب، والأشجار، والأحجار، والرمال، والقبور. فهم في حقيقة الأمر قد قتلوا «التوحيد» وأدخلوه «القبر»، ثم جعلوا يطوفون حول هذا القبر يلهجون بالثناء على «الميت»، ويهزجون له بالتمجيد!
فحالهم كما بينه الإمام ابن القيم في «مدارج السالكين»: [إذا جاء الحق معارضاً في طريق رياستهم طحنوه، وداسوه بأرجلهم، فإن عجزوا عن ذلك دفعوه دفع الصائل، فإن عجزوا عن ذلك حبسوه في الطريق، وحادوا عنه إلى طريق أخرى، وهم مستعدون لدفعه حسب الإمكان، فإن لم يجدوا بداً: أعطوه السكة والخطبة، وعزلوه عن التصرف والحكم والتنفيذ. وإن جاء ناصراً لهم، وكان لهم: صالوا به وجالوا، وأتوا إليه مذعنين، لا لأنه الحق، بل لموافقته غرضهم وأهوائهم: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض؟! أم ارتابوا؟! أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟! بل أولئك هم الظالمون}]، انتهى كلام ابن القيم، رحمه الله. فياله من توصيف رائع لحالهم الخبيث!
وإن كنت في شك من ذلك، فاستمع إلى تصريحات مشايخهم، وتأمل في مسميات الأحزاب والجماعات المدافعة عنهم: «جمعية أهل السنة والحديث»، «أنصار السنة المحمدية»، «جنود الصحابة»، وعليك بكتبهم التي يوزعونها مجاناً: «طاعة الرحمن في طاعة السلطان»، «القطبية، هي الفتنة فاعرفوها!»، «الحاكمية، وفتنة التكفير»: {ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}!!
نسأل الله العظيم أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله، وسلم، وبارك، على عبده ورسوله محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المخلصين المجاهدين، صلاة دائمة، وتسليما وتبريكاً كثيرًا الى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar